Followers

Tuesday, January 19, 2010

الخطاط نافع : نحن نحفر في الصخر

● بداية ..حدثنا عن نشأتك و عن حكايتك مع الفن التشكيلي و الخط العربي .
●● كانت بدايتي من جو البيت حيث كان أخي صاحب خط جميل ، فتأثرت بهذا الجو ، كما تأثرت في الرسم ببعض أساتذة المدرسة أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ يحيى من مصر كان رساما رائعا فتأثرت به ، و كغيري من الطلبة جلست أرسم في البيت كمجرد محاولات بسيطة ، و في مجال الرسم حظينا ببعض التصحيحات من الأستاذ ، أما في مجال الخط فكنت أعمل الوسائل التعليمية للمدرسة بخط منسق لكن دون قواعد صحيحة ،هذه كانت البداية .

● من هم أساتذتك في الفن التشكيلي و فن الخط العربي و بمن تأثرت ؟
●● لقد اطلعت على بعض اللوحات العالمية من خلال بعض الكتب المصرية وللأسف لم تكن تلك الكتب دقيقة في الطباعة فقد طبعت بألوان باهتة ، ومن خلال ما تنشره مجلة العربي ، وكذلك مجلة الفيصل حيث كانت تنشر اللوحات تحت عنوان ( لوحة وفنان ) وكان يشرف عليها الفنان جمال قطب ، فكنت أطالع و أتأثر و أعجب ، أما بالنسبة للخط فقد تأثرت بخطاطين من بلدتي القطيف منهم الأستاذ الخطاط مكي الناصر و الأستاذ الخطاط علي السنان و الخطاط حسن العيد ، فقد كنت ألاحق خطوطهم و أتأثر بلوحاتهم الخطية ، وكما في مجلة قافلة الزيت التي تصدرها شركة أرامكو تأثرت بخطوط الخطاط مكي الناصر حيث كان يخط عناوينها ، ثم حصلت على كراسة( قواعد الخط العربي ) للأستاذ المرحوم هاشم البغدادي فقلدت خطوطها دون أستاذ ، فقط أرى و أكتب وربما كان ما أكتبه صحيحا و ربما يكون أكثره خاطئا .

● كيف ترى أهمية الأستاذ في تعلم فن الخط ؟
●● أرى أهمية الأستاذ في فن الخط من خلال القول المنسوب للإمام علي ( عليه السلام ) :" الخط مخفي في تعليم الأستاذ " هذه الكلمة تكشف عن أهمية الأستاذ ، و كل من مارس الخط ووجد الصعوبات التي تقف أمامه ثم يرى كيفية سهولة الخروج من هذه الصعوبات على يد الأساتذة الخطاطين يفهم كلامي جيدا ، و استطيع أن أقول أن الخط 70% عند المعلم و 30% الباقية التدريب الكثير .

●أنت فنان تشكيلي و أستاذ في الخط . أين تجد نفسك بين الفن التشكيلي و الخط العربي ؟
●● أجد نفسي في الفن التشكيلي فقد بدأت به ، كنت أرسم الوسائل التعليمية و أسلمها إلى بعض ممارسي الخط كي يكتبوها ، و جاء الاهتمام بالخط بعد ذلك في عام 1406هـ ، حيث بدأت أمارس الخط و كان لممارستي قصة ، كنت أبحث عن وظيفة ولم أجد ، ثم وجدت إعلانا لشركة في مطار الظهران القديم عن رغبتهم بتوظيف خطاط ، وكنت رساما و تقدمت إلى الشركة على أنني خطاط ، فعملت في الشركة و تعلمت هناك ، و أنا حاليا أمارس الرسم أكثر لأني حقيقة أجد متعتي فيه ، و ليست فيه تلك الصعوبة التي في الخط .


● هل الخط موهبة أو صنعة ؟
●● أنا أعتقد أن المقصود من الموهبة في السؤال تعني القدرة و المهارة ، و أتصور إن الإنسان يولد و لديه استعدادات طبيعية ، أنا ولدت و لدي استعدادات في مجال التجارة مثلا ، و أنت ولدت و لديك استعداد تجاه الأدب ، آخر يولد و لديه استعداد تجاه الرياضيات مثلا ، فالموهبة هي ميل و استعداد فطري في مهنة معينة ، فإذا كان هذا المقصود من الموهبة فهي مهمة جدا في مجال فن الخط العربي .
اسمح لي بإعطاء مثال بسيط جدا عندما يأتي شخص يريد أن يمارس الخط ، نقول له اكتب حرف الكاف بخط النسخ و بطبيعة الحال لن يكتبه بشكل متقن تماما ، ولكن نرى النسب هل الجزء العلوي يتناسب مع الجزء السفلي ، هل رأس الكاف يتناسب مع بقية أجزائه الأخرى ، عندما يكون هناك تناسب في كتابته للحرف نستنتج أن عنده استعداد فطري " يرى بعين فنية فاحصة " .
و النقطة المهمة هنا أن التدريب الطويل و المكثف يحتاجه الموهوب و غير الموهوب ، لا بد للخطاط منه ؛ لأنه يصقل فكره ورؤية عينيه و يصقل يده ، كثير منا يرى الحرف بشكل صحيح لكن لا يستطيع أن يكتبه بشكل صحيح لأن يده ليست مرنة ، فالاستعداد الفطري و التدريب المستمر عاملان مهمان في تكوين الخطاط .

● يُعطى المتدرب البسملة مع عبارة ( ربّ يسر و لا تعسر و تمم بالخير ) ليتدرب على كتابتها في البداية ، لماذا ؟
●● هذا من طقوس الخطاطين الأتراك ، لا أدري إن كان الخطاطون العراقيون سبقوهم إلى ذلك أم لا ، وهذا للتفاؤل واليـُمن حيث يبدأ الخطاط مشواره بـ ( بســـــــم الله الرحمن الرحيم ) وبدعاء ( ربّ يسر و لا تعسر و تمم بالخير ) ، و ليس المطلوب أن يجيد كتابة البسملة في البداية ،و يخطئ من يجعل الخطاط المبتدئ يكتب كثيرا البسملة ليجيدها كما كتبها الأستاذ في النموذج الذي قدم إليه و تدرب عليه ، مثل أن يتدرب على نموذج لبسملة كتبها الخطاط الكبير سامي أو غيره من الخطاطين الكبار ، عندما يتقن ويجيد البسملة من البداية فقد حصل على الأستاذية في الخط !
المطلوب من المبتدئ أن يبدأ تدريباته بالتدرب على كتابة البسملة و ليس المطلوب أن يجيدها ، كذلك دعاء ( ربّ يسر و لا تعسر و تمم بالخير ) ، هذا الدعاء كتبه الخطاط الكبير شوقي وهو في عز قوته الفنية ، فكيف يطلب من الخطاط المبتدئ أن يبدأ دروسه بما انتهى منه الخطاطون الكبار ؟!


●إذن المطلوب هو أن يبدأ بالبسملة و الدعاء ثم ينتقل إلى الحروف ثم إلى تركيباتها . أليس كذلك ؟
●● نعم . يكتبها مرة أو مرتين ثم يبدأ تعلم كتابة الحروف فالتراكيب .


● يرى بعض الخطاطين الأساتذة أن على المتدرب ليكون خطاطا أن يبدأ بتعلم خط الثلث لمدة خمس سنوات ، ويحتاج سنتين لتعلم خط النسخ ، وسنتين للرقعة و هكذا ... و إذا أجاد الثلث سهل عليه بقية الخطوط . ما رأيك ؟
●● أعتقد أن الكتابة الكثيرة هي التي تحدد كم أحتاج من السنين في تعلم خط الثلث ، عندما أكتب كثيرا لا أحتاج للبقاء في خط الثلث كثيرا حتى أجيده ، مثلا أنا أكتب في اليوم ثمانية عشر ساعة فلا أحتاج إلى ثلاث أو أربع سنوات حتى أجتاز خط الثلث كمتدرب ، و الخطاط يـُحسِّـن في خطوطه سواء في الثلث أو غيره طول عمره . وليس هناك فترة زمنية محددة لإتقان فن الخط ، الخطاط هو ونشاطه ، نعم . هناك خطوط تحتاج إلى وقت أكثر ، فخط الرقعة ـ مثلا ـ لا يحتاج من الوقت كما يحتاجه خط الثلث ‘ و لكن الفيصل من وجهة نظري في الفترة الزمنية لإتقان فن الخط : التلميذ النشط + الأستاذ البارع ، و الخطاطون الأساتذة قد يجيزون بعد سنة ، وبعضهم يجيز بعد خمس سنوات ، وبعضهم بعد عشر سنوات ، يعتمد كل ذلك على همة الخطاط ونشاطه .

● كيف تتم إجازة الخطاط ؟
●● عندما يجد الأستاذ في الخطاط الاستعداد الجيد يبدأ معه بكتابة البسملة و دعاء ( ربّ يسر و لا تعسر ) بخط الثلث و النسخ ، ثم يتجه إلى الحروف المفردة ثم الحروف المركبة ، بعد أن يجيد ذلك كله يعطيه الأستاذ آية أو حكمة أو بيت شعر و يطلب منه أن يجودها خطا و رسما بخط الثلث المركب ، عندما يجد فيه الأستاذ أنه وصل إلى مستوى لا بأس به ، وأنه يزداد تقدما في هذا الفن ، ويجد فيه الحرص و الأمانة على هذه المهنة الشريفة يجيزه ، ويطلب منه أن يكتب نصا " آية أو حديثا أو حكمة "، ثم يكتب الأستاذ تحته (أجزت للخطاط فلان أن يكتب اسمه تحت خطوطه) ، ثم يصبح هذا الخطاط أستاذا في الخط ، يحق له أن يقول و يفتي في الخط .


● ما هي فوائد تعلم مهارات الخط في بناء الشخصية ؟
●● إن الخط العربي بنظامه الصارم و بمقاساته التي لا تحتمل الخطأ ، كل هذا يعكس نفسه على المتدرب فيعلمه كيف أن الحياة تحتاج إلى نظام و إلى صبر كبير لكي يبلغ ما يريد ، فبدون صبر و مثابرة وتواضع لا يستطيع الخطاط أن يصل إلى ما يصبو إليه ، و من الطبيعي أن ينعكس على حياته و تفكيره .
فن الخط العربي ليس كالرسم ، ففي الرسم نجد الألوان و البعد الثالث و الظل و النور وعناصر كثيرة مختلفة من خلالها لا ينكشف الضعف إلا بشكل بين للمتخصص ، ولكن في فن الخط الأمر مختلف فأمامي حرف الألف مثلا ـ بلون واحد وليس فيه عمق فقط طول وعرض و قياسات محددة كيف تستطيع أن تخفي عيوبه ؟! ، عندما يريد الخطاط كتابة لفظ الجلالة ( الله ) بخط الثلث بإتقان مثلا ، فيجب عليه أن يلتزم بالمقاسات الدقيقة ، ويصبر كثير و يتدرب كثيرا ، وهو يعلم في الأخير أن الحياة هكذا ، لتحقيق أهدافه في الحياة لابد من الصبر و المثابرة .

● أسمع كثير : أن هذا الحرف صحيح و هذا الحرف قوي و هذا الحرف ناضج .. ما هو الفرق بينها ؟
●● الحرف شكل هندسي تحكمه قياسات محددة إذا طبقت بشكل سليم يكون الحرف صحيحا ، فأنا لا أستطيع أن أعمل زاوية قائمة إلا إذا كانت 90 درجة ، عندما لا تكون 90 درجة لا يطلق عليها أنها زاوية قائمة صحيحة كذلك الخط . و أتصور أن هذه المصطلحات تحمل دلالة واحدة وهي أن الحرف رُسم بطريقة صحيحة هندسيا ، أي أن طوله صحيح حسب مقاس النقطة ، و أن تقوسه صحيح أو أن انبساطه صحيح . فالحرف إما صحيح أو خاطئ ، ويتسامح الناس في تعبيراتهم .
و ربما تشير كلمة ( ناضج ) بالإضافة إلى المقاسات الصحيحة أن حبره جيد ، وقد كـُـتب بقصبة حادة جدا و أجرى عليها الخطاط تصحيحات دقيقة جدا بحيث لا ترى خروجا للحبر أو ارتجاجا .

● بحكم التلمذة و الاحترام و ربما التواضع و الزمالة لم يعرف الخط العربي شيئا اسمه النقد الفني ، ما رأيك ؟
●●هذا صحيح . هناك كتابات نقدية في الخط لأساتذة من العراق و سوريا و تركيا وكذلك لكتاب سعوديين ، ولكن بشكل عام الكتب التي تتكلم عن الجانب النظري النقدي في الخط قليلة جدا ، لا أدري لماذا ، هل لأن الخط من الفنون المجردة تجريدا كبيرا بحيث لا يجد الناقد مادة لفظية يستطيع من خلالها تأليف كتاب أو كتابة مقالات طويلة ؟ هل لعدم تفرغ الخطاط لذلك ؛ لأن الخط يشغله كثيرا ؟
لا نجد دراسات نستفيد منها نظريا فلسفة الخط و هندسته ، لا أجد تشريحا هندسيا علميا موضوعيا للحرف مثلا ، لماذا كان رأس الواو بخط الثلث نقطتان إلا ربعا مثلا ، لماذا أوجد ابن مقلة هذه النقاط ، لماذا لم يجعل الألف أربع نقاط في خط الثلث ، قد يقال أن أربع نقاط لطول الألف ليس مناسبا ، لكنه كلام ليس دقيقا علميا ولا يشفي غليل الباحث.
و أتمنى أن تكون هناك دراسات نقدية في الخط بشكل عام ، و دراسات نقدية خاصة بخطاط من الخطاطين البارزين ، تصور أن خطاطا كبيرا مثل سامي لا يوجد كتاب مختص به ، يشرح لوحاته فنيا ، ويشرح كيف كان ينظر إلى الحروف ، ما التعديلات و التحسينات التي أدخلها على خط الثلث ، نسمع كثير أن خط الثلث الجلي هو سامي ـ ألا يحتاج هذا إلى كتاب يشرح طريقته .
أذكر مرة حضرت عند خطاط كبير يشرح لوحة للخطاط الكبير المرحوم شوقي (( و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) ، و عند ما أراد أن يتحدث عن كلمة ( استطاع ) قال : انظروا إلى هذه الكلمة الجميلة كيف أنها تتحدى أن يستطيع احد أن يكتب كلمة ( استطاع ) بهذا الجمال ! هذا كلام أدبي و ليس علمي ، و لا استفيد منه كخطاط متدرب .

● الخطاط يتعب نفسه في اختيار النصوص للوحاته كتعبه في إخراج و تنفيذ اللوحة . ما هو تعليقك ؟
●● اختيار النص مهم جدا للخطاط في عمل اللوحة الخطية وخاص في اللوحة التركيبية . النص اللائق فنيا يريح الخطاط بنسبة 50% ، والعكس صحيح ,حيث لن يخرج بلوحة جميلة ، مثلا عندما اختار عبارة من ثلاث كلمات و أريد أن أجعلها ثلث جلي مركب يشكل بيضاوي أو بشكل دائري أو بشكل مثلث عندما تحتوي هذه العبارة على ثلاث كلمات و فيها ستة حروف منتصبة ، مثل الألف و اللام ، سوف أوزع هذه الحروف و احصل على اتزان مناسب ، و لكن إذا كان عندي خمس حروف منتصبة سأصاب بحيرة أين أضع الحرف الخامس ، كذلك كاسات الحروف و توزيعها في اللوحة ، و نحن نسأل لماذا لم يكتب الخطاطون ـ على كثرة كتاباتهم ـ نصوصا كثيرة نجدها جميلة لمعنى ؟ عندما نتفحص تلك النصوص نجدها جميلة كمعنى ؛ ولكن كبناء هندسي غير مناسبة ، لذلك لا يختاره الخطاطون و ويختارون نصا آخر و لو كان متواضعا كمعنى و لكن كهيكل هندسي جميل جدا و مناسب جدا .

● لماذا يعتبر خط الثلث من أصعب الخطوط ؟
●● في تصوري ليس هناك خط صعب و خط سهل في وجود الأستاذ الحاذق و التلميذ المجد و النشط ، ربما أن الوقت الذي يستغرقه خط الثلث أكثر من بقية الخطوط ، لأن حروفه بها زوايا دقيقة في الرسم ، عندما يكون الرسم دقيقا لا يعني أن يكون صعبا ، فقط يحتاج إلى مزيد من العناية ، ومزيد من الوقت ، و لكن عندما يكون الخطاط مسلحا بتدريب طويل و أستاذ حاذق لا يصعب عليه شيء ، لأن هناك قواعد يجب إتباعها بشكل صحيح حتى يأتي الحرف جيدا .
خط الرقعة ـ مثلا ـ يقولون أنه أسهل الخطوط ، و لكننا لا نجد أحدا يكتب بالرقعة مثل الخطاط عزت مبدع هذا الخط و بعضهم يقول أنه ممتاز بك ولكن عزت طوره ،عزت خطه جميل جدا بالرقعة ، إلى اليوم لا نجد من يكتب بمثل جمال خط عزت ، وهو خط رقعة عادي ، إذا كان خط الرقعة سهل و خط الثلث صعب ، لماذا نجد بعض الخطاطين مبدعين في خط الثلث و لا نجدهم مبدعين في خط الرقعة ، هل لأنه لم يغريهم بجماله ؟ ربما ..

● تكمن بعض جماليات فن الخط العربي في التناغم و الإيقاع . ما رأيك ؟
●● لوحة الخط فن بصري تحتاج عناصر التصميم التي تحتاجها اللوحة التشكيلية من تكرار و إيقاع و اتزان و من نقطة محورية و من تناسب الكتلة مع الفراغ ، هذه كلها عناصر تجعل اللوحة جميلة للناظر أو عليلة . و الخط العربي يكثر فيه التكرار و الكتل المتناسبة مع الفراغات ، عندما يهمل الخطاط هذه العناصر تخرج لوحته ليست جميلة .
عند كتابة عبارة ( الصبر مفتاح الفرج ) لتكون لوحة مثلا ، لابد أن أحكِّم عناصر التصميم فأحسب الحروف المتشابهة حتى أوزعها بالتساوي في اللوحة ، و أجد الكؤوس المتشابهة تشكل تناظرا في مساحة اللوحة ، و أحسب الكتلة حتى لا يكون في التركيب الدائري حروف مكتظة في زاوية و فارغة أو قليلة في زاوية أخرى ، حتى لا يخل بعنصر الاتزان في اللوحة . الاتزان في اللوحة مهم جدا ليشعر الناظر براحة بصرية . وهذا الذي قلناه في البداية أن الخطاط لماذا يترك نصا جميلا و يلجأ إلى نص أقل جمالا ؛ لأن عناصر التصميم من تكرار و الفراغ و الاتزان مفـقودة في هذا النص الذي تركه و موجودة في النص الأقل جمالا الذي عمل به .

●قدمت أكثر من محاضرة في خط النسخ .. ما سر تركيزك عليه ؟
●● تحدثت عن خط النسخ من عدة جوانب : بداياته و مدارسه التي مر بها ، و المحطات التي وقف عندها كذلك تطوره على يد خطاطين كبار ، و تحدثت عن حروفه و شرحت كيف انتقلت من البساطة إلى التعقيد ، و أنا أتصور أن النسخ من أجمل الخطوط لأن هناك تناسبا كبيرا بين الخطوط المنتصبة مع الخطوط المستلقية ، لا نجد هذا في الخط الفارسي ، و لا تجد في النسخ ذلك الاتساع الذي يوجد في كؤوس حروف الثلث، هذا التناسب الذي في النسخ جعله مناسبا لكتابة أسطر طويلة به ، و به يكتب القرآن الكريم ، لهذه الأسباب و غيرها جعلني أعجب به ، عندما تشاهد خطوط الخطاط التركي الكبير محمد شوقي ( رحمه الله ) تستمتع لأنك تقف أمام خطوط رشيقة حروف تتراقص جمالا وبالمثل عند الحافظ عثمان وحسن رضا.

● درّست الخط العربي في دورات كثيرة . . . كيف كانت تجربتك مع التدريس و الطلاب ؟
●● كانت تجربة جميلة جدا ، و المتدربون كانوا جادين في تدريباتهم و تلقيهم ، ولكن عندي ملحوظتان :
الملحوظة الأولى : أننا للأسف وقعنا كمدربين أوائل في بعض الأخطاء ، فنحن لم نتلق تدريبا نظاميا في ذلك الوقت ، أي لم ندرس على أيدي خطاطين كبار محترفين فأجازونا و لم نعرف طريقتهم في التدريب ، لقد اجتهدنا في التدريب من خلال ما عرفناه وسمعناه عن طرق الخطاطين في التدريب .
كنا نصر على أن الخطاط المبتدئ يجب أن لا يخرج من حرف الألف إلى حرف الباء حتى يجيد الألف ، و لا يخرج من البسملة إلى الحروف حتى يجيد ها ، و هذا كان خطأ ، كنا نثقل على المتدرب و نحمله فوق طاقته .
الملحوظة الثانية : كنا نلزم الخطاطين المبتدئين التدرب بالقصب ، هو لا عهد له بالقصب و لا يعرف كيف يكتب به ، و لو استبدلنا القصب بقلم الخط الذي يباع في المكتبات لوفرنا على المبتدئ عناءا كبيرا ، تكفيه صعوبة الحروف و نأتي إليه بصعوبة القصبة ! .
بري القصبة و تعديلها يحتاج إلى مهارة عالية ، فإن أنت جودت قلمك جودت خطك ، و أنا إلى الآن لا أبري القصبة بشكل صحيح و أحتاج إلى غيري كي يبريه بشكل صحيح . وكثيرا ما أستعين بصديقي الخطاط و الرسام الفتان حسن الزاهر في ذلك .

● بمناسبة ذكر الخطاط حسن الزاهر . . كان زميلك في السفر إلى تركيا وكان معكم إبراهيم السعيد ، حدثنا عن هذه السفرة .
●● كان سفرنا إلى تركيا عام 1412هـ ، لندرس على يد الخطاط محمد أوزجاي ، و كان من أفضل الخطاطين في ذلك الوقت ، وكان دليلنا عنوان بسيط من كتاب مسابقة فن الخط ، وذهبنا إليه و بحثنا عنه كثيرا ، وتعبنا كثيرا لأنهم لا يتكلمون العربية و لا الإنجليزية ، فقط يتكلمون اللغة التركية ، تعبنا كثيرا نحن لا نعرف أين نسكن ، نمنا في مسجد ، ثم ذهبنا له و لم نستطع مقابلته في المرة الأولى لأنه كان مشغولا ، و لكننا رجعنا إليه مرة ثانية و قلت له : " نحن قدمنا إليك من آخر الدنيا " ، فستقبلنا و جلسنا معه ساعة و نصف الساعة . و تفاجئنا كيف أن الخط هناك له أسس و قواعد لا بد أن يتبعها الخطاط ، كان الخطاطون في منطقتنا يمارسون الخط بشكل بدائي جدا ما عدا القليل منهم . عندما منّ الله علينا بالسفر إلى تركيا و شراء الكتب و معرفة بعض الأسرار القليلة من الخطاطين ذوي الاختصاص في هذا الفن تغير الوضع عندنا في المنطقة .
من ضمن الأشياء المفيدة جدا التي حصلنا عليها و أتينا بها إلى خطاطي المنطقة هي أهمية التتلمذ على يد خطاط حاذق و أن تنتخب خطاطا تحاكي خطوطه ، أنت كمتدرب لا تتدرب على كل من رأيته من الخطاطين ، يجب أن تنتخب خطاطا تبقى تحاكيه هو فقط ، لأن الخطاطين يختلفون في أساليبهم و في رؤيتهم للحرف ، و من الأمور المهمة التي استفدناها في إعداد اللوحة الخطية هي أن الخطاط يحتاج إلى التدريب الكثير و يحتاج إلى المسودات الكثيرة لإخراج اللوحة في الأخير ، كنا نظن أن الخطاط يمسك القصبة ويكتب اللوحة ، اتضح لنا أن هذا غير صحيح فهناك قوالب و هناك تصحيحات كثيرة قد تستغرق وقتا طويلا ، و عرفنا لماذا كان الأستاذ الخطاط سامي يكتب اللوحة و يصلح فيها في سنة كاملة ، كنا نظن أن هذا عيب كبير ، وكنا نظن أن الخطاط هو الذي يخط لوحته مباشرة ، الخطاطون لا يكتبون مباشرة ، إنهم يكتبون مسودات ينقحونها ثم ( يشفون ) هذا النموذج إلى ورقة نظيفة خاصة معدة للكتابة ، هذه الأمور و غيرها لم تكن معروفة عندنا في ذلك الوقت ، و الخطاطون الموجودون الآن أكملوا المشوار و استفادوا منا و أضافوا علينا الكثير ، و أصبحنا نستفيد منهم كالخطاط الأستاذ حسن رضوان وغيره من المجدين .

● أستاذ نافع .. تغربت سنوات في خارج منطقتك . هل أفادتك الغربة في مجال الخط ؟
●●نعم . أفادتني كثيرا ، يكفي أنها و فرت لي الوقت الواسع لممارسة الخط و للتدريب ، الخطاط يحتاج إلى الكثير من الوقت للتدريب ، أتذكر كلمة للأستاذ الخطاط حـسن جلبي ( أمد الله في عمره ) تلميذ الخطاط الكبير حامد الآمدي يقول : " إن الخطاط لكي يكون خطاطا يحتاج إلى أن يتدرب في الـ 24 ساعة 48 ساعة ! " ، و الخطاط في مجتمعنا لا يجد الوقت الكافي بحكم انشغاله بأسرته و بأمور معاشه ، و لا يجد التقدير من المحيط و لا يجد الدعم من المسؤولين في الدولة كما ينبغي من خلال مؤسساتها المختلفة .

● كيف تقيم واقع الخط العربي في المملكة ؟
●●نحن نحفر في الصخر ، ليس هناك دعم رسمي يتناسب مع المملكة كحاضنة للتراث الإسلامي، و ليس هناك تشجيع أهلي مناسب ، بحكم أن فن الخط مهنة كمالية و ليس من الضروريات ، و مجتمعنا مازال في مرحلة الضروريات ، كثير من الخطاطين لا يجدون أن مهنة الخط مجزية ماديا فيتركونها و يتجهون إلى أعمال أخرى من تجارة و غيرها ، و كثير من المعارض تقام و يعرض الخطاط لوحته التي استغرق في عملها الوقت الطويل و أخذت من صحته و نظره ،و في الناهية لا يجد من يشتري هذه اللوحة ، و لا يجد من يقدرها ، و إن تم شراؤها فبثمن بخس . نتمنى أن يتغير الوضع ، نتمنى من المسؤولين أن يستشعروا أهمية هذه المهنة .
الحضارة الإسلامية معروفة بالخط العربي و الزخرفة العربية و العمارة الإسلامية ، والخط العربي تحديدا هو المميز لهذه الحضارة ، و يجب أن يكون البلد الذي يشجع هذا الفن هو المملكة العربية السعودية ، فنتمنى من المسؤولين الاهتمام بالخط و الخطاطين ، و المملكة الآن بدأت خطوات مباركة في الاهتمام بهذا الفن الجميل على سبيل المثال تم تأسيس الجمعية السعودية للخط العربي .
في الدولة العثمانية كان السلطان العثماني يشجع الخطاطين كان يقول للخطاط أكتب و معيشتك و منصبك و ثراؤك و كل شيء مكفول لك ، و كان الخطاط في الدولة العثمانية برتبة وزير،و نحن نريد على الأقل شيئا من التقدير كأن تُشترى لوحاتنا ، وندرس في الخارج بتمويل رسمي.

● برأيك كيف يمكن رفع الذوق الفني في البلد ؟
بكثرة المعارض، و بإقامة المحاضرات و الندوات ، و بالتشجيع الرسمي عبر القنوات الإعلامية التلفزيون و الصحف ، فالمتلقي العادي إذا لم تشغل بصره و لم تشغل سمعه بفنك لن يفهم هذا الفن و لن يستوعبه .


●ما هي نصائحك التي تقدمها إلى الشابات و الشباب و خاصة أعضاء جماعة الخط العربي بالقطيف ؟
●●أنصحهم أولا بالتواضع الكبير ، وعدم الانزعاج من ملاحظات الآخرين على خطوطهم ، وثانيا البحث عن الأستاذ الماهر سواء في المنطقة أو خارجها مثل تركيا و العراق و سوريا و مصر ، و أنصحهم بالتدريب الكثير ، ومصاحبة الخطاطين ، فلا ينبغي أن يظل الخطاط وحيدا ، هذا يجعله يجف روحيا و يشعر بالملل ، أتذكر كلمة للخطاط الكبير حامد الآمدي يقول : " أنا تعلمت الخط كثيرا من محادثتي مع أصدقائي الخطاطين ، أحمد الكامل و غيره " .

● أستاذ نافع هل من كلمة أخيرة ؟
●●أحمد الله على ما وصلنا إليه و أدعوه مخلصا أن يوفق زملائي في جماعة الخط العربي بالقطيف إلى نيل ما تصبوا إليه نفوسهم من مكانه عالية في مجال الخط العربي .

-------
السيرة الذاتية :

• نافع مهدي تحيفاء ، من مواليد العوامية عام 1385 هـ .
• بكالوريوس تربية فنية , جامعة الملك سعود بالرياض .
• عشق فن الرسم منذ طفولته حيث تأثر بمعلمي مادة التربية الفنية خلال دراسته .
• اتجه لممارسة فن الخط بعد حصوله على وظيفة خطاط في قاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالشرقية عام 1407 هـ حتى عام 1411هـ .
• وفي العام نفسه بدأ في ممارسة الخط كنشاط تجاري من خلال افتتاح محل شخصي لعمل اللوحات الإعلانية تحت مسمى " الخطاط مهدي " .
• التقي بالكثير من خطاطي السعودية والخليج وبعض خطاطي الدول الإسلامية .
• في الفترة نفسها اتجه لتركيا حيث التقي بخطاطيها و استفادة منهم .
• ساهم في تدريس بعض دورات الخط العربي .
• في عام 1420 هـ اشترك في تأسيس جماعة الخط العربي بالقطيف .
• شارك في إقامة دورات وندوات وورش عمل في فن الخط العربي ضمن نشاطات جماعة الخط العربي بالقطيف .
• شارك في جميع المعرض التي أقامتها الجماعة .
• اشترك في مسابقة الخط العربي السابعة عشر التي نظمتها " إرسيكا " في تركيا .
• عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للخط العربي
.

Sunday, January 17, 2010

هذا الدعاء ما زال موجودا في إدراة قسم اللغة العربية السابقة..بالطبع أن التركيب والقاعدة لا يصلان إلى مستوى الإجادة..